كثرت وتنوعت الأحاديث والأقاويل والتأويلات التي أعقبت اللقاء الذي جمع بين عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي؛ وطارق عفاش رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية؛ وكلاهما يحملان (صفة نائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي) رشاد العليمي؛ الذي أصبح يتصرف (كرئيس للجمهورية) مطلق الصلاحيات).
وهذا ما يجعله مخالفًا لقواعد التوافق الذي على أساسه تمت عملية نقل السلطة من عبدربه منصور - الله يذكره بالخير - كرئيس للجمهورية؛ إلى مجلس قيادة رئاسي؛ وهذا ما يستدعي بالضرورة وضع حد حاسم لتصرفات وسلوك العليمي الذي لم يعد مقبولًا؛ ويعجل بضرورة التغيير الجدي في هيكلة ومهام مجلس القيادة الرئاسي؛ والذي قد تجاوز عمليًا مهمته الانتقالية (المؤقتة) دون تحقيق أي نجاحات تذكر.
ومن هذا المنطلق فإن الأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي؛ والمعنية والجادة في تنفيذ ما ورد في بيان نقل السلطة لجهة العمل معًا في جبهة موحدة لمجابهة الانقلاب - سلمًا وحربًا - والقيام بواجب ومهمة تحسين الخدمات وتلبية متطلبات حياة الناس وإنقاذهم من وضع المعيشة الكارثي الذي يعيشونه؛ ولكن لم يتحقق لا هذا ولا ذاك؛ وأستمر ( الرئيس ) يبحث عن تعزيز مكانته الشخصية غير مكترثًا بالعواقب التي سيكون أول ضحاياها؛ ومع الأسف فقد تناسى وضعه ووظيفته الجديدة؛ وأصبح يستخدم تجربته الأمنية السيئة السابقة ضد الجنوبيين؛ لخلق المتاعب لهم وإثارة الفتن فيما بينهم وكأنه ما زال وزيرًا للداخلية.
وكما يبدو فإنه يعتمد في ذلك على دعم بعض أطراف (تحالف دعم الشرعية)؛ وهو الذي قد فقد صفته هذه ودوره بعد التفاهم والحوار المباشر مع (الانقلابيين) والاتفاق معهم على (خارطة السلام) وصار ذلك بمثابة الاعتراف العلني الصريح بوجودهم كسلطة موازية و(بديلة)(للشرعية) التي أصبحت صنعاء بعيدة عنها؛ وستحل محلها سلطة الأمر الواقع طال الزمن أم قصر؛ فكل المؤشرات تدل على ذلك؛ وهو ما يعني أيضًا بأن إقامتها في عدن قد اقتربت من نهايتها.
إن طبيعة المرحلة المعقدة والشائكة تتطلب البحث عن صيغ جديدة ومناسبة للتفاهم والتنسيق والتعاون؛ وصولًا إلى قيام تحالفات الضرورة المؤقتة بين بعض الأطراف؛ التي يحتفظ فيها كل طرف بأهدافه الوطنية وبرنامجه السياسي؛ مع عدم السماح للحليف وأي كانت صفته وحجمه أو أهدافه أن يخل بقواعد وشروط التحالف معه؛ والتي أملتها الرغبة المشتركة في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الجميع في هذه المرحلة؛ بل والاعتراف العلني بحق شعبنا الجنوبي بتقرير مصيره بنفسه ووفقاً لإرادته الوطنية الحرة.
ومن هذا المنطلق فإن قضية شعب الجنوب الوطنية؛ وبكل تاريخها وأبعادها وأهدافها؛ ليست متاحة (للأخذ والرد) أو المساومة مع أي كان؛ ممن يحتمل إقامة أي شكل للتنسيق والتفاهم أو حتى (التحالف المؤقت)؛ الذي تفرضه الضرورة وأولويات ومخاطر المرحلة؛ وبما يساهم في تجنب المواجهات وعلى أكثر من جبهة وفي وقت واحد.
إن استحضار تجربتنا الجنوبية الغنية مع القوى السياسية الشمالية؛ لأمر مهم جدًا للغاية من قبل قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي؛ وينطبق ذلك أيضًا على بقية القوى والأطراف والشخصيات الجنوبية؛ ففيها من العبر والدروس المرة والمؤلمة الكثير؛ ومن لا يستفيد من دروس التاريخ؛ فلا يمكنه أن ينتصر أو يصنع تاريخًا خاليًا من الأخطاء والخطايا؛ وهو ما نتمنى عدم حدوثه مجددًا؛ بعد أن تجرع الجنوب من كؤوس الغدر والمكر والخداع ما يكفيه لتجنب كل ذلك؛ فبخبرته ووعيه وحكمته وثباته على حقه وأهدافه الوطنية والتاريخية؛ يستطيع تجاوز كل المحن والمطبات وكمائن الغدر على تعدد أشكالها ومصادرها.