لا يمكن لكل ذي ضمير حي أن لا يشعر بالغيرة والغضب لما تتعرض له المدن والمناطق اليمنية من ضربات موجعة على أيدي رجال القوات الجوية الأمريكية والبريطانية، هذه الضربات التي جاءت كرد فعل على ما تمارسه الجماعة الحوثية من أعمال قرصنة في المياه الإقليمية والدولية جنوبي البحر الأحمر ومنطقة باب المندب.
لكن الضربات الأمريكية-البريطانية لم تكن بلا سبب، فقد قدم الحوثيون كل المبررات لتقوم أمريكا وبريطانيا بما قامت به من إجراءات عقابية ضد هذه الجماعة قد تغدو إيذاناً بحرب لا يمكن التنبؤ بعواقبها، ومن حسن الحظ أن الضحايا البشرية لهذا الإجراء كانت محدودة جداً.
كان الحوثيون يبحثون عن دفعة جديدة من العلاقات العامة لتحسين صورتهم أمام أبناء اليمن الذين بلغ بهم الغضب أعلى درجاته إزاء الممارسات الحوثية تجاه المواطنين من حملات القمع والتنكيل والملاحقة وتكميم الأفواه واغتصاب السجينات وتعذيب الصحفيين والإعلاميين والمعارضين السياسيين في سجون الجماعة، إلى سلب الحقوق وفرض الجبايات غير القانونية وحرمان الموظفين الحكوميين من مرتباتهم لسنوات متواصلة تحت حجة مواجهة العدوان، وحينما لاحت في الأفق ملامح التسوية السياسية (التي تحيطها آلاف الأسئلة والتساؤلات) افتعل الحوثيون حربهم مع أمريكا وبريطانيا والدول المتحالفة معهما، ليتهربوا من استحقاقات التسوية السياسية المفترضة.
الضربات الأمريكية البريطانية لن تلحق أي ضرر بالجماعة الحوثية سوى تدمير بعض مخازن الأسلحة ومعامل تركيب الطائرات المسيرة، ومنصات إطلاق الصواريخ، ولدى إيران ما تعوض الحوثيين بعشرات المرات عن تلك الخسائر، لكن المتضرر الأكبر هو الشعب اليمني وشعوب الدول المحيطة بجنوب البحر الأحمر والكثير من شعوب العالم التي ستدفع تكلفة مضاعفة لمشترياتها من البضائع التي سيتم تحويل مسارات نقلها عبر رأس الرجاء الصالح بدلاً من باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس والعكس.
لكن الجماعة الحوثة استعادت ترميم سمعتها من خلال تسويق نفسها كضحية للعدوان الأمريكي-البريطاني، لتحشد ملايين اليمنيين من ضحايا سياساتها الحمقاء تمهيدا لتقديم دمائهم وأرواحهم على مذبح هذه السياسات الرعناء التي لا تعيش ولا تنمو ولا تزدهر إلا في أجواء الحرب والتوتر.